أربعينية الإمام الحسين ( عليه السلام )
قد مره على اربعينية الامام الحسين 3 ايام
، وقَدْ قضى العقل والدين بإحترام عظماء الرجال ، أحياءً وأمواتاً ،
وتجديد الذكرى لوفاتهم وشهادتهم ، وإظهار الحُزن عليهم ، لا سِيَّما من
بذل نفسه وجاهَد ، حتى قُتِل لمقصدٍ سَامٍ ، وغَايَةٍ نَبيلة ، وقد جرت
على ذلك الأمم في كلِّ عصرٍ وزمان .
فحقيق على المسلمين - بل جميع الأمم - أن يقيموا الذكرى في كل عام للإمام الحسين ( عليه السلام ) .
فإنه ( عليه السلام ) قد جَمَع أكرمَ الصفات ، وأحسنَ الأخلاق ، وأعظمَ
الأفعال ، وأجلَّ الفضائل والمناقب ، عِلماً وفَضلاً ، وزهادةً وعبادةً ،
وشجاعةً ، وسخاءً وسماحةً ، وإباءً للضَّيم ، ومقاوَمة للظُّلم ، وقد جمع
إلى كَرمِ الحَسَب شَرَفَ النسَب .
وقد جاهد الإمام الحسين ( عليه السلام ) لنيل أسمَى المقاصد ، وأنْبل الغايات ، وقام بما لم يَقُم بمثله أحد .
فبذلَ ( عليه السلام ) نفسَه ، ومالَه وآلَه ، في سبيل إحياء الدين ،
وإظهار فضائح المنافقين ، واختار المنيَّة على الدنيَّة ، وميتة العِزِّ
على حياة الذُل ، ومصارع الكرام على اللِّئام .
وأظهر ( عليه السلام ) من عِزَّة النفس والشجاعة ، والصبر والثبات ، ما
بَهَر به العقول ، وحيَّر الألباب ، واقتدى به ( عليه السلام ) في ذلك كل
مَن جاء بعده ، ومن يمتلك مثل هذه الصفات .
فالحقُّ أنْ تقام له ( عليه السلام ) الذكرى في كلِّ عام ، وتبكي له العيون بَدَلَ الدُموعِ دَماً .
فقد بكى الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) على مصيبة أبيه الإمام الحسين ( عليه السلام ) ثلاثين سنة .
وكان الإمام الصادق ( عليه السلام ) يبكي لتذكُّر المصيبة ، ويستنشد الشعر في رثائه ويبكي .
وكان الإمام الكاظم ( عليه السلام ) إذا دخل شهر محرم لا يُرَى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلُبُ عليه .
وقال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( إنَّ يَومَ الحسين أقرحَ به
جُفونَنا ، وأسال دموعنا ، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء ) .
وقد حَثُّوا شيعتهم وأتباعهم على إقامة الذكرى لهذه الفاجعة الأليمة في
كلِّ عام ، وهُم ( عليهم السلام ) نِعْم القدوة ، وخير مَنْ اتُّبِع ،
وأفضَلُ من اقتُفِيَ أثرُه ، وأُخِذَت منه سُنَّة رسول الله ( صلى الله
عليه وآله ) .
فضل يوم الأربعين
رُويَ عن الإمام العسكري ( عليه السلام ) أنه قال : ( عَلامَاتُ المؤمن
خمسٌ : صلاةُ إِحدى وخمسين ، وزيارةُ الأربعين ، والتخَتُّم في اليمين ،
وتعفير الجَبين ، والجهر بـ( بِسْم اللهِ الرحمن الرحيم ) ) بحار الأنوار
101 / 329 .
وقال عَطا : كنت مع جابر بن عبد الله الأنصاري يوم العشرين من صفر ،
فلمَّا وصَلنا الغاضرية اغتسل في شريعتها ، ولبس قميصاً كان معه طاهراً ،
ثم قال لي : أمَعَكَ من الطيب يا عَطا ؟
قلت : معي سُعد .
فجعل منه على رأسه وسائر جسده ، ثم مشى حافياً حتى وقف عند رأس الحسين (
عليه السلام ) ، وكَبَّر ثلاثاً ، ثم خرَّ مغشياً عليه ، فلما أفاق
سَمِعتُه يقول : السلام عليكم يا آلَ الله ( بحار الأنوار 101 / 329 ) .
وكان يزيد قد أمر بِرَدِّ سبايا الحسين ( عليه السلام ) إلى المدينة ، وأرسل معهم النعمان بن بشير الأنصاري في جماعة .
فلمَّا بلغوا العراق ، قالوا للدليل : مُر بنا على طريق كربلاء ، وكان
جابر بن عبد الله الأنصاري ، وجماعة من بني هاشم قد وردوا لزيارة قبر
الإمام الحسين ( عليه السلام ) .
فبينا هُم كذلك إذ بِسَوادٍ قد طلع عليهم من ناحية الشام .
فقال جابر لعبده : اِنطلق إلى هذا السواد وآتِنَا بخبره ، فإن كانوا من
أصحاب عُمَر بن سعد فارجع إلينا ، لعلَّنا نلجأ إلى ملجأ ، وإن كان زين
العابدين ( عليه السلام ) فأنت حُرٌّ لوجه الله تعالى .
فمضى العبد ، فما أسرع أن رجع وهو يقول : يا جابر ، قمْ واستقبل حرم رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) ، هذا زين العابدين قد جاء بِعَمَّاته
وأخواته .
فقام جابر يَمشي حافي الأقدام ، مكشوف الرأس ، إلى أن دنا من الإمام زين
العابدين ( عليه السلام ) ، فقال ( عليه السلام ) : ( أنْتَ جَابِر ؟ ) .
فقال : نعم يا بن رسول الله .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( يَا جَابر هَا هُنا واللهِ قُتلت رجالُنا
، وذُبحِت أطفالُنا ، وسُبيَتْ نساؤنا ، وحُرقَت خِيامُنا ) .
وفي كتاب الملهوف : إنهم توافوا لزيارة قبر الحسين ( عليه السلام ) في وقت
واحد ، وتلاقوا بالبكاء والحزن ، وأقاموا المأتم ، واجتمع عليهم أهل ذلك
السواد ، وأقاموا على ذلك أياماً ( أعيان الشيعة 1 / 617 ) .